سر اللوحة الصفراء- مما نشرته في موقع رسالة الإسلام

1 جويلية 2010

سر اللوحة الصفراء – عبير النحاس

حَمَلَتْ لوحة هادي من جديد نحو غرفة الصفِّ وهي تقول لنفسها:

–         لن يكشف السرَّ غيركَ يا صغيري.

كانت اللوحة تصوِّر شمساً تُطِلُّ على بحيرة زرقاء صغيرة، وتحيط بالبحيرة ورود صفراء كثيرة، ويسبح فيها سمك أصفر مبهج, وقد أثار استغرابها وفضولها كثرة استخدامه لهذا اللون في لوحته تلك.

ابتسمت طويلاً وهي تراه يقفز معبِّراً لها عن سعادته بكلماتها التي أثنت بها على اللوحة يومها، فالقفز هو طريقته الوحيدة التي تعرفها في التعبير عن فرحه, فقد كان هادي طفلا تَوَحُّديَّاً, ولم يكن يعرف كيف يرسم ابتسامةً ما على وجهه, وكان كل ما يفعله عندما تطلب إليه أن يبتسم لكاميراتها؛ لتلتقط له صوراً مع لوحاته، هو أن يكشف لها عن أسنانه.

حملت اللوحة يومها إلى منزلها, وهناك أسرعت إلى المطبخ لتُعِذَّ طعاماً خفيفاً, ولتتنقل بين الغرف ترتبها بسرعة قبل أن يصل زوجها, ثمَّ فاجأته بإعدادها المبكِّر لكوب الشاي، وكأنها تستعجل قيلولته, فابتسم وغادر نحو غرفة النوم تاركاً إياها تُبحِر وحيدة في الشبكة العنكبوتية؛ لتكشف سرَّ لوحة هادي.

كانت متأكدة أنَّ هناك ارتباطاً ما بين لون اللوحة الأصفر، وبين مرض الصغير, وكانت تدرك أنَّ ارتباط اللون الأصفر بالسرور في آيات الكتاب الحكيم -وفي سورة البقرة بالتحديد- هو بداية كشف ما سيساعد تلميذها المسكين.

راحت تُسجِّل ما في المواقع الإلكترونية من معلومات؛ لتقوم بتنسيقها فيما بعد, فكتبت على دفترها ما وجدته في أحد المواقع:

–         “الذين يفضِّلون اللون الأصفر هم أشخاص مثاليُّون، متفائلون سُعداء، وحكماء، إذ تتناغم صفاتهم مع صفات هذا اللون الذي يعتبر رمزاً للضوء والثراء, وقادراً على شحن صاحبه بالحيوية، والقدرة على الإبداع”.

–         “اللون الأصفر يُؤثر تأثيراً إيجابيَّاً على عمل الكبد والطحَّال والبنكرياس والغدة الدرقيَّة والشُعب، ويقوِّي الجهاز العضلي والعصبي للجسم، ويُنصحُ باستخدامه بشكل خاص للشخصيات التي تعاني من عُسر في الهضم، أو إمساك مستمرٍّ، أو صداعٍ نصفي، وكذلك لمن لديهم استعداد للاكتئاب أو التشاؤم”.
– “إنَّ طول الموجة اللونية للون الأصفر تنشِّط عمل الدماغ؛ فيبقي عليه في حالةٍ يقِظةٍ تامةٍ، وصفاءٍ ذهنيٍ كاملٍ، كما يقوِّي هذا اللون الجهاز العصبي عموماً، وبناء الطاقة العضلية، وينشِّط عمل الغدد اللمفاوية، وينقِّي القنوات الهضمية، ويُحفِّز نشاط البنكرياس والمرارة”.
– “هو الأقرب للون شعاع الشمس، فهو لون الفرح والبهجة.

ومن الخواصِّ الإيجابية لهذا اللون: أنه يُحفِّز النشاط الفكري، ويبقي الذهن في حالة من التنبُّه والصفاء”.

استيقظ زوجها من غفوته, فسارعت لإعداد فنجان قهوته التركيَّة، وحرصت على جمع القشدة البنيَّة الفاتحة من الركوة، ووضعها في الفنجان قبل أن تُعيد الركوة لتغلي مرة ثانية, سكبتْها وحملت نحوه فنجان القهوة البنيِّ ذو الحافة الرقيقة، وقد عَلَتْهُ القشدة.

وفي الغرفة وَجَدَتْهُ يُحَدِّقُ في حاسوبها، وفي تلك الصفحات التي كتبتها مستفسراً عن سرِّ اهتمامها المفاجئ باللون الأصفر.

وضعت الفنجان أمامه على الطاولة، ثمَّ أخرجت له لوحة هادي، وراحت تشرح له بحماس عن حالته وما لفت نظرها في لوحته، وما تَأْمَلُ أن تجده في بحثها الطويل المضني.@

ابْتَسَمَ دون تعليق، وغادر الغرفة حاملاً فنجانه ليتناوله وهو يرتدي ملابسه وحده دون مساعدتها؛ ليتركها وما يشغلها، ثمَّ غادر المنزل بهدوء.

قرأت طويلاً عن الأطفال التوَحُّدِيِّين، وفوجئت بأنَّ البعض منهم تمَّ شفاؤه بمجرد حمية، واستغربت أن لا تصبر والدة هادي على متابعة حمية التوَحُّد، وهو وحيدها وحبيبها ومحطُّ اهتمامها.

عاد زوجها بعد ساعات ليجد عينان حمراوان تحت زجاج نظارتها ذات الإطار الأزرق، والمحلَّاة بخيوط من الفِضَّة, ابتسم مشفقاً وقال بحنان:

–         هل لي بإبداء رأيي؟

–         نعم بالتأكيد.

–         لم لا تسألين الصغير عن سبب استخدامه لهذا اللون؟

استغربت لسهولة الفكرة وبراعتها، وأعجبها منطقه؛ فعليها أن تسأل صاحب اللوحة أولاً؛ لعلها تجد طريقها في البحث بعد جوابه بسهولة أكبر؛ فاستجابت مبتسمة وأغلقت حاسوبها؛ لتقوم بإعداد مائدة العشاء، وقامت قبلها بإرسال الصورة إلى موقع إلكتروني يقوم بتحليل الرسوم؛ لكشف أسرار صاحبها، معتمداً على علم النفس وعلم اللون والخطوط.

في الصباح استيقظ زوجها ليجدها وقد ارتدت ملابسها، وبدأت في شرب فنجان قهوتها قبله، ولمح في وجهها تلك النظرة التي يعرفها جيِّداً عندما يَسْكُنُ الحماس قلبها.

دخلت الصفَّ، وسرعان ما وضعت اللوحة على الطاولة، ونادت هادي، وسألته عندما راح ينظر إلى اللوحة:

–         أي لون تُحِبُّ يا هادي؟

أجاب دون تردُّدٍ ودون ابتسامة:

–         الأصفر.

–         وهل لأجل هذا جعلت لون الورود والأسماك صفراء هنا؟

–         نعم.

–         ولماذا تحب هذا اللون يا صغيري؟

–         لأنني رأيت رونالدينيو يلبسه وهو يلعب مع فريق البرازيل.

مما نشرته في موقع رسالة الإسلام.

أضف تعليق